لا شك أن أعداء الإسلام – وعلى رأسهم اليهود - يتألمون حينما يروا وحدة العرب والمسلمين، فهذه الوحدة وهذا الاجتماع والتضامن والاعتصام يقلق مضجعهم ويجعلهم ينظرون إلى المسلمين نظرة حقد وحسد، وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بذلك حيث قال: " إِنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا ، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا ، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ آمِينَ " ( الصحيحة للألباني)، وتدبرت في هذه الثلاث فوجدت العلة واحدة وهي ( الوحدة والاجتماع في كل ) وهذا بلا شك يغضبهم ويحزنهم ويسوءهم.
إن المسلمين في الشرق والغرب يتجهون في الصلوات الخمس اليومية، وفي فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، رغم اختلاف الألسنة والجنسيات والألوان، يجمعهم الدين الإسلامي الحنيف، وهذا ليعلم المسلم أنه لبنة في بناء كبير واحد مرصوص، فالمسلمون يتعلمون وحدة القبلة، ووحدة الأمة في الهدف والغاية، وأن الوحدة والاتحاد والتضامن ضرورة في كل شئون حياتهم الدينية والدنيوية. وهذا الذي حمل اليهود على حقدهم وحسدهم للوحدة الإسلامية في بلادنا، فسعوا إلى تمزيق وحدة المسلمين بكل ما لديهم من سبل وطرق؛ وهذا ما سلكه اليهود مع الرسول في المدينة، حيث جمع الله به شتات المؤمنين، ووحدهم بعد تفرقهم امتثالا لقوله تعالى:{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ( آل عمران : 103)
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره : "أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج، وذلك أن رجلا من اليهود مَرَّ بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هُمْ عليه من الاتفاق والألْفَة، فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بُعَاث وتلك الحروب، ففعل، فلم يزل ذلك دأبُه حتى حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا، ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم، وتواعدوا إلى الحرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجعل يُسكِّنهم ويقول: "أبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ وأَنَا بَيْنَ أظْهُرِكُمْ؟" وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا، وألقوا السلاح، رضي الله عنهم.
ألا فلنتحد ولنتضامن جميعاً من أجل بناء مجتمعنا، من أجل بناء وطننا، من أجل بناء مصرنا، من أجل بناء حضارتنا، بعيدين عن التفرقة، عن التشرذم ، عن التحزب، عن التشتت، حتى نحقق آمالنا، ويعلو بنياننا ، ونبلغ منانا، فنكون جميعاً أدوات بناء لا أدوات هدم!