أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي القرشية الأسدية أم المؤمنين، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أول امرأة تزوجها.
ولدت بمكة سنة ثمان وستين قبل الهجرة, ونشأت في بيت شرف ووجاهة, ومجد و سيادة, ونشأت على الأخلاق الحميدة, والصفات النبيلة, حتى أنها سميت في الجاهلية بالطاهرة, أمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم القرشي عمة ابن أم مكتوم رضي الله عنه ,
مات والدها وهي في شبابها في يوم حرب الفجار , وكانت خديجة امرأة حازمة لبيبة شريفة مع ما أراد الله بها من كرامتها.
تزوجت مرتين قبل زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بها, وكلاهما من سادات العرب ذلك لشرف نسبها, وحسن صفاتها ونبلها, ورجاحة عقلها, أولهما أبو هالة التميمي, وجاءت منه بهند وهالة, وأما الثاني فهو عتيق بن عائذ بن عمر بن مخزوم, وجاءت منه بهند بنت عتيق.
تجارتها:
وكان لخديجة رضي الله عنها حظ وافر من التجارة, وكانت قوافلها تتردد بين مكة والمدينة والشام، لتضيف إلى شرفها ونسبها ومكانتها الثروة والجاه, حتى غدت من أبرز تجار الحجاز.
ولما توفي عنها زوجها الثاني عتيق المخزومي, أصبح أشراف مكة يتطلعون ويتمنون الزواج بها؛ لما تميزت بها من المزايا والصفات التي يندر أن تجتمع كلها في امرأة.
وكانت تستأجر الرجال في مالها تضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه فعليها الأعباء المالية, وعليهم السفر والمتاجرة؛ فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدقه وأمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في مالها إلى الشام تاجرا؛ وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار, مع غلام لها يقال له: ميسرة, فقبله منها وخرج في مالها ومعه غلامها ميسرة, حتى قدم الشام
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب, فتحدث الراهب إلى ميسرة فقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟
فقال له ميسرة: هذا الرجل من قريش من أهل الحرم, فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي.
ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها, واشترى ما أراد, فلما قدم مكة ودخل على خديجة بمالها باعت ما جاء به, فتضاعف مالها وربحت مالا كثيرا, وحدثها ميسرة عن قول الراهب وأخبرها بما رآه من أمانته وصدقه وكريم خلقه.
فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: أني قد رغبت فيك لقرابتك مني, وشرفك في قومك, وأمانتك عندهم, وحسن خلقك, وصدق حديثك, ثم عرضت عليه نفسها للزواج, وكانت من أشرف نساء قريش نسبا كما ذكرنا.
فلما قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالت, ذكر ذلك لأعمامه؛ فخرج معه عمه حمزة بن عبدالمطلب حتى دخل على عمها عمرو بن أسد، فخطبها إليه فزوجها عمها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان زواجهما قبل الوحي وعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ خمس وعشرون سنة وكان عمرها حينئذ أربعين سنة وأقامت معه أربعا وعشرين سنة.
ابناءها من رسول الله:
ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولده كلهم إلا إبراهيم, وكان مولد بنيها جميعا قبل أن ينزل الوحي, وهم القاسم, وعبد الله ويلقب بالطاهر وبالطيب, وزينب, وأم كلثوم, ورقية, وفاطمة.
وقد توفي القاسم والطيب قبل الإسلام, وبالقاسم كان يكنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما البنات فأدركن الإسلام؛ فأسلمن وهاجرن.
وقد كانت خديجة رضي الله عنها تحب النبي صلى الله عليه وسلم حبا شديدا, وتعمل على نيل رضاه والتقرب منه, وكذلك كان رسول الله محبا لها, حتى إنها أهدته غلامها زيد بن حارثة لما رأت من ميله إليه وعطفه عليه.
وعند البعثة كان لخديجة رضي الله عنها دور مهم في تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم أول الأمر, وفي مساندته ودعمه وتأييده أثناء دعوته في مكة, وذلك لما آتاها الله من رجحان عقل وقوة شخصية.
فبعد نزول الوحي دخل النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة قائلا: زملوني زملوني, فطمأنته وقالت له: كلا والله لا يخزيك الله أبدا, فو الله إنك لتصل الرحم, وتصدق الحديث, وتحمل الكلّ, وتكسب المعدوم, وتقري الضيف, وتعين على نوائب الحق. ثم انطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل الذي بشره باصطفاء الله له خاتما للأنبياء والمرسلين عليهم السلام. فلم تتردد خديجة رضي الله عنها لحظة واحدة في قبول الدعوة, ودخول الإسلام, لتكون أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم بدأت الدعوة وللإسلام في مكة وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يدعو قريشا ومن يأتي إلى مكة من القبائل والوفود والقبائل المجاورة لمكة إلى الإسلام والتوحيد, وبدأت في ذات الوقت ردود الأفعال المعارضة والتي اشتدت يوما بعد يوم على رسول الله وعلى المؤمنين, فقامت خديجة رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, تسانده في دعوته, وتؤنسه في وحشته, وتذلل له الصعاب, تارة بالكلمة, وتارة بالحكمة, وتارة بجهادها بمالها. كما أنها أدت دورا عظيما في تنشئة بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, والقيام بشئون بيته الكريم.
كانت خديجة رضي الله عنها امرأة حكيمة, جليلة, مؤمنة, كريمة, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضلها على سائر زوجاته, وكان يكثر من ذكرها؛ حتى أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول: ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها, ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له كأنه لم يكن في الدنيا إلا خديجة, فيقول إنها كانت وكان لي منها ولد.
وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها, فذكر خديجة يوما من الأيام فأدركتني الغيرة فقلت هل كانت إلا عجوزا فأبدلك الله خيرا منها, فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ثم قال: لا والله ما أبدلني الله خيرا منها, آمنت بي إذ كفر الناس, وصدقتني إذ كذبني الناس, ورزقني الله منها أولادا إذ حرمني النساء, قالت عائشة: فقلت في نفسي لا أذكرها بسيئة أبدا.
البشارة بالجنة :
وقد أكرمها الله بأن أرسل لنبيه بشارته لها ببيت في الجنة من قصب, لا صخب فيه ولا نصب.
كما أرسله الله تعالى سلامه عليها مع جبريل عليه السلام ليبلغها به الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا فضل وشرف عظيم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع صوت هالة أخت خديجة تذكر صوت زوجته فيرتاح لذلك, ويستبشر بمقدمها وفاء لزوجته.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضلها حين قال: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد, وفاطمة بنت محمد, وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون, ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين كما عدها ممن كملن النساء وهن الأربع المذكورات في الحديث الأخير.
ومن كراماتها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج امرأة قبلها ولم يتزوج عليها قط إلى أن توفيت.
وفاتها:
توفيت خديجة رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث أو أربع سنين, وقيل بخمس, والأقرب الأول والله أعلم, قبل معراج النبي صلى الله عليه وسلم, وقيل أن وفاتها كانت بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام, وكان ذلك في رمضان, ودفنت بالحجون.
قيل: كان عُمرها خمساً وستين سنة. فحزن عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا حتى سمي العام الذي توفيت فيه هي وعمه أبو طالب عام الحزن